وأول من أنكر علو الله تعالى وأنه فوق العرش هم الجهمية، وهي الفرقة المنسوبة إلى جهم بن صفوان، وتكاد تكون منقرضة، فلا توجد اليوم فرقة تنتسب إلى جهم في كل ما قاله وتسمي نفسها الجهمية، بل كل الفرق تتبرأ من جهم، لكننا إذا تأملنا كلام جهم، فإننا نجد أن بعض الفرق التي تدعي منابذته وعداوته والبراءة منه، هي متفقة معه في أصول كلامه مع تعديل وتحوير في مضمون كلامه، ولذلك فلا غرابة أن يؤلف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى كتاب بيان تلبيس الجهمية، ويرد عليهم في كثير من كتبه كـالفتاوى وغيرها، وممن رد عليهم ابن القيم في كتابه اجتماع الجيوش الإسلامية والإمام الذهبي في كتابه العلو وغيرهم، فمن يقصدون بـالجهمية؟
إن الفرقة التي أخذت عن الجهمية أصولها ومبادئها، وإن كانت قد حورت وعدلت وغيرت واستنبطت أدلة جديدة، وظنت أن هذا هو المنهج الحق، وأنه مذهب أهل السنة والجماعة، وأن الأدلة العقلية والنقلية تؤيده -هي فرقة الأشعرية .
وكتاب شيخ الإسلام بيان تلبيس الجهمية له اسم آخر وهو نقض التأسيس، فهو رد على كتاب تأسيس التقديس الذي ألفه الفخر الرازي، وقد كان الرازي إمام الأشعرية في زمانه، وله مؤلفات في الأصول والتفسير وعلم الكلام والفلسفة، وقد كان يكتب ويؤلف بغزارة كما في كتابه التفسير الكبير واسمه: مفاتيح الغيب، وكان يعتمد في تأليفه على قريحته وفكره، لكنه ضعيف للغاية في علوم الحديث والسنة، حتى إن كلامه في التأسيس كلام غريب مريب، يدل على جهل شديد بعلم السنة، وهذا دأب كل من ضل عن الطريق القويم.
إذاً: الفخر الرازي -كمثال- ورث هذا القول -وهو إنكار علو الله تعالى- عن الجهمية وأورثه للأشعرية من بعده، ومن قبله كانوا يقولون بذلك أيضاً كما في رسالة أبي محمد الجويني الأب رحمه الله، الذي رجع عن هذا القول، وكتب رسالته الثمينة القيمة التي طبعت بعنوان: النصيحة في صفات الله عز وجل .